«مش هتخرج من هنا حي».. جريمة قبل الإفطار بالشرقية


منيا القمح تبكي الفتى إسلام وتطالب منصة العدل بالثأر.. شقيقان يقتلان صاحب محل إكسسوارات محمول بسبب خلافات على «بوردة».. أسرته: كان في حاله والسند بعد وفاة والده

نقلًا عن جريدة التحرير

تحرير: إسلام عبدالخالق

مشهد مهيب عصر الجمعة الأولى من شهر رمضان، بقرية «العجيزي» التابعة لدائرة مركز ومدينة منيا القمح، بمحافظة الشرقية، الجميع على قلب رجلٍ واحد غلبهم الحزن وأفقدهم الثبات وهم يودعون فقيدهم «إسلام» ابن الأربعة والعشرين ربيعًا، الذي يعرفه الجميع بحُسن الخُلق وقُدرة الرجال على تحمل المسئولية بعد وفاة والده قبل أربع سنوات، فيما كان الجو شديد الحرارة والحُزن على حد سواء، لكن ذلك لم يمنع أغلب المُشيعين من محاولاتهم لمس الجُثمان، أو حتى نيل جانب من حمله إلى مثواه الأخير، في جنازة امتدت لنحو الساعة بين الصلاة والتشييع.

على بُعد عدة كيلومترات من القرية، وقبل الجنازة بنحو ثمان وأربعين ساعة، ومع دقات الرابعة والنصف عصر الأربعاء الماضي، كان المشهد مُختلفًا في بندر منيا القمح، صدمة أصابت أغلب أهالي شارع «هندسة الري»، الذين لم يُحرك أي منهم ساكنًا لنجدة القتيل وهو يُصارع الموت على يد شقيقين داخل وخارج محل الهواتف المحمولة الخاص به، كما لو كان المشهد مُقتطعا من أفلام الجريمة التي تُماثل قسوة وبلطجة «عبده موتة» وغيرها؛ بعدما بدأ أحد الشقيقين التلويح بيده التي تحمل «مطواة» موجهًا حديثه للجميع: «اللي هيتدخل هاقطع رقبته»، وهو ما أمَّن عليه شقيقه، المعروف باسم «زكروتا»، الذي كان واقفًا إلى جواره يحمل عصا غليظة «شومة»، كما لو كانت دماء الضحية مُستباحة دون رادع أو وازع.

«مش هتخرج من هنا حي».. عبارة خرجت على لسان أحد الشقيقين المعروف باسم «مانجة»، قالها بنبرة غليظة للقتيل وهو يقف على عتبة باب المحل الخاص به، فيما لاذ الأخير بالصياح من داخل المحل يستنجد بجيرانه من أصحاب المحلات المجاورة، أو حتى المارة، لكنَّ أحدًا منهم لم يهب لنجدته، قبل أن يتهاوى الباب الزجاجي للمحل ويفلت «إسلام» من براثن الشقيقين إلى الشارع، إلا أن الإصرار على القتل والتعمد دفع الجُناة إلى الهرولة واحدًا وراء الآخر خلفه من أجل قتله، لا لشيء إلا لأنه رفض تصليح هاتف الأول وإعادة ثمن بطاريته التي مضى على شرائها واستعمالها شهر ونصف الشهر.

الجلبة والهرولة دفعت الحاج «صادق الشافعي» صاحب أحد المحلات الملاصقة لمحل القتيل، للتدخل ومحاولة نجدة جاره، حيث همَّ بالاستفسار عما يحدُث واستعطاف الجُناة، إلا أن «مانجة» وجه له عبارة جريئة لم يُراعِ فيها حتى فارق السن: «مالكش دعوة بدل ما أطير رقبتك»، فما كان من الرجُل إلا أن آثر الصمت والتزم دُكانه بدعوى الخوف من أن يستغل اللصوص غيابه ويسرقوا ما بالمحل من أموال، لكن ما حدث بعدها كان كفيلًا بأن يندم الرجُل على عدم مساعدته لجاره، الذي سقط صريعًا بعد ضرباتٍ متتالية قطعت إحداها شريان يده وفقد معها نصيبًا كبيرًا من دمائه، قبل أن يجذب أحد الجناة «الشومة» من يد شقيقه ويهوي بها على رأس «إسلام».

حضرت سيارة الإسعاف بعدها بنحو خمس عشرة دقيقة، لكن سبق حضورها موقف أثار ريبة الجميع فور سقوط «إسلام»؛ إذ التفت صاحب «الشومة» إليه وأخذ يُفتش ملابسه بحثًا عن أي شيء يُثبت شخصيته، قبل أن يهرول من جديد نحو المحل ويُعيد كرة التفتيش، لكنه لم يجِد شيئًا، في سلوك فسره شهود العيان على طريقة «ضربني وبكى وسبقني واشتكى»، وفق أحد جيران القتيل، الذي أوضح لـ«التحرير» أن القاتل كان يبحث عن بطاقة الرقم القومي الخاصة بالقتيل، كونه لا يعرف اسمه كاملًا، وذلك لأجل أن يسبقه إلى المركز ويُقدم بلاغًا ضده، في سلوك يتنافى مع كل الأعراف الإنسانية السوية.

نقلت السيارة المجني عليه مُضرجًا بدمائه إلى مستشفى «منيا القمح» المركزي، لأجل إسعافه، لكن إمكانات المستشفى حالت دون ذلك، ليتم تحويله إلى مستشفى «الزقازيق» الجامعي، بعدما تبين سوء حالته بشدة وحدوث نزيف داخلي بالمخ، فضلًا عن وجود قطع بأحد شرايين يده، مع فُقدان تام للوعي لم تُفلح الأجهزة الطبية معه في إنقاذه على مدى يومين، ليُعلن عن وفاته في الرابعة والنصف فجر الجمعة.

تحقيقات النيابة العامة برئاسة المستشار محمد المراكبي، رئيس نيابة منيا القمح، ومعاونيه وكيلي النيابة حسام سليمان ومحمد رفعت، أكدت تحريات رجال مباحث وشهادات الشهود في الواقعة التي تحرر عنها المحضر رقم 18038 جُنح منيا القمح لسنة 2019، بأن القتل حدث عن عمد، فيما تقدمت النيابة بخالص العزاء لأسرة المتوفى، وأمرت بتجديد حبس المتهمين «أحمد.ش.خ» وشهرته «مانجة»، وشقيقه «محمد» وشهرته «زكروتا» لمدة خمسة عشر يومًا على ذمة التحقيقات.

مقتل إسلام أصاب أسرته بصدمة امتدت لساعاتٍ كثيرة، قبل أن يُفصح خاله «تهامي البنداري» عن مكنون صدره وما يعتمل داخله من حُزنٍ، مطالبًا بالقصاص العادل، وأن يلقى القاتل نصيبه من عقابٍ يستحقه وأن تنتهي حياته على حبل المشنقة، كما قال لـ«التحرير»، موضحًا أن الجانيين يعملان بمجال الجزارة ولا تربطهما بالمجني عليه أي معرفة سابقة، لكنه بأسى تذكر ما عاشه من ذكريات على مدى سنوات مع نجل شقيقته، الذي رحل تاركًا سيرة عطرة بين الجميع، ومسئولية تحمله عن طيب خاطر قبل أربع سنوات، بعدما رفض الالتحاق بكلية الهندسة وآثر البحث عن أي وظيفة تُمكنه من المشاركة وتحمل مسئولية والدته وشقيقه الأصغر، نظرا لأن شقيقه الأكبر متزوج ويعيش بعيدًا عنهم، حتى إنه كان يبحث عن شقة سكنية بديلة لما تم تخصيصها له في وحدات الإسكان الاجتماعي بمدينة العاشر من رمضان.

الخال استعاد كلمات فقيده التي قالها نهاية فبراير الماضي بمناسبة عيد ميلاده: «اللهم لا تقبض روحى إلا وقد أتممت المُهمة التي خُلقت من أجلها»، قبل أن يُشير إلى آخر نظراته إليه وهو مُسجى على سرير المرض بالمستشفى الجامعي، التي حملت معاني كبيرة في طياتها، كما لو كان يقول له: «قتلوني من غير ذنب.. ماتسيبش حقي يا خالي».

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مكان فريد من نوعه.. «أفريكانو صروح» قِبلة التنزه والطعام البدوي والخليجي في العاشر من رمضان

نجاح كبير لـ شركة إنترفارما للأدوية بفضل مجهودات رئيسها الدكتور محمد هلال

والدة رضيع بالشرقية تستغيث بالرئيس السيسي لعلاج نجلها بعد رفض 57357 استقباله