أمطار العاشر والوجه «القبيح» للمسئولية.. دم مروة في رقبة مين؟!
لا يزال الحديث عن ضحايا مياه الأمطار في مصر مفتوحًا، وربما يستمر لسنوات
وسنوات دون أي جديد، فالنتيجة دائمًا معروفة مثلها مثل بداية الأحداث في كل مرة؛
تحذيرات من هيئة الأرصاد، يتبعها بيان من المسئول، أيًا كان موقعه، برفع درجة
الاستعداد القصوى وحالة الاستنفار للمواجهة، في بيانات لا تتخطى عباراتها الرنانة
صفحات المواقع والصحف التي تُنشر عبرها، حتى تأتي الأمطار التي حذرت منها الأرصاد
وتحصد معها روح إنسان أو ماشية أو تتسبب في خسارة سيارة أو غيرها من الخسائر
«المُعتادة»، وفي النهاية يتم إلقاء اللوم على القدر وكأن المياه والأزمة فاجأت
الجميع، بما فيهم المسئولين المنوط بهم معرفة الأزمة ومواجهتها قبل حتى أن تبدأ.
«مروة صادق عبدالمجيد صادق» طفلة بالكاد بلغت من العمر عشرة أعوام، أصبحت
حديث القاصي والداني في واقعة جرت أحداثها بين شوارع الحي الرابع عشر بمدينة
العاشر من رمضان، بمحافظة الشرقية، وامتدت لتُغطي بآثارها ربوع مصر ومواقع التواصل
الاجتماعي، بعدما دفعت الطفلة حياتها ثمنًا لإهمال المسئولين عن صيانة أعمدة
الإنارة والاستعداد لفصل الشتاء وهطول الأمطار، وهي بالمناسبة قائمة تضم أغلب
المسئولين عن الأجهزة والجهات التنفيذية بالمدينة، وعلى رأسهم رئيس جهاز المدينة،
والذي غاب حتى عن الحضور وتقديم واجب العزاء لأسرتها، مُكتفيًا بإرسال شخص قال عنه
والد الطفلة إنه «قال تبع رئيس الجهاز».
واقعة «مروة» تبعها مشهد مآساوي كان الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية،
شاهد عيان عليه ورآه رؤية العين، بعدما امتد «طابور» السيارات ليشمل أغلب المساحة
المُمتدة بين مدخل المدينة وطريق بلبيس الصحراوي، وبين الطابور كان المشهد أكثر
وضوحًا و«فداحة»؛ إذ تراصت السيارات التي توقفت عن الحركة بسبب الأعطال التي ضربت
نظامها الإلكتروني نتيجة ملامسة «شريحتها» لمياه المطار، والتي ارتفعت عن سطح
الأرض لنحو المتر، في حصيلة تخطت العشرات من السيارات المتعطلة بطول الطريق وحتى
بوابة المدينة، في طريق طال ظلامه منذ بداية سقوط الأمطار وحتى الساعات الأولى من
صباح الأربعاء، وامتد الظلام ليُغطي أغلب أحياء المدينة ويتزامن مع ذلك انقطاع
المياه أيضًا، وتُصبح المدينة أشبه بمكان مهجور يستغيث من يمر في شوارعه من المياه
التي تكاد تُغرق نصفه السُفلي، ويرفع من يمر بعيدًا عنها يداه للسماء يُناجي ربه
بأن ينتقم «من اللي كان السبب»، قاصدًا في ذلك المسئولين ومن لم يستعدوا كما استعد
المواطنون لتقلبات الطقس، لكن على ما يبدو أن نشرة الأرصاد لم تكُن وصلت إلى
المسئولين بعدْ.
وبالعودة إلى واقعة الطفلة مروة، فالحديث يطول ليصل إلى فساد وإهمال، على
حد وصف الأهالي وجيران والدها، حتى أن أغلبهم دشنوا «هاشتاج» يُطالبون فيه برحيل رئيس
جهاز المدينة، والذي أغضب الجميع بما رآوه من مهازل في مواجهة طقس أسوأ من السيء
بمراحل.
الغريب في الأمر أن جهاز المدينة والجهات المعنية دفعت بـ«لوادر» إلى
الشوارع فور بداية الموجة وغرق الطرق، وكأن السماء كان تُمطر ترابًا أو رمالًا
تحملها اللوادر، في ظاهرة فادحة دفعت الأذهان للتشكك حول مدى قدرة المسئولين على
مواجهة الأزمة، خاصةً وأن الدفع بسيارات «الكسح» تأخر حتى حضور محافظ الشرقية
قرابة الساعة التاسعة والنصف مساء الثلاثاء، والذي بدوره وجه بالدفع بسيارات لكسح
المياه وشفطها من الشوارع وإعادة تسيير الحركة المرورية أمام السيارات والمواطنين،
لكن ظل السؤال يتردد: «من المسئول عن عدم الاستعداد لمثل هذه الأمور؟، وآخر كان من
نصيب المسئولين عن جهاز المدينة: «هل الأموال التي جرى إنفاقها في تجميل الشوارع
خرجت في مكانها الصحيح؟ أم كان أولى أن يتم الاستعداد بعمل مصارف لمياه الأمطار في
الطرق والمحاور الرئيسية؟.
انتهت الأسئلة عند حد الخواطر قبل أن تطفو واقعة مصرع «مروة» على سطح
الأحداث، ويُقيم والدها عزائها في مكان آخر بعيد عن منزله، والسبب أن بوابة منزله
بالحي الرابع عشر بها ماس كهربائي هي الأخرى بسبب مياه الأمطار، وبعد أسئلة
واستغاثات قرر الرجل إقامة السرادق في المجاورة السادسة والأربعين، قبل أن يبعث
بمناشدة عبر وسائل الإعلام إلى رئيس الجمهورية مطالبًا بتدخل سيادته والتحقيق في
الأمر حتى لا تتكرر مأساة طفلته مع الأطفال والأهالي، لكن كلمات الرجل خرجت بعد
ساعات قليلة من إصدار محافظ الشرقية بيانًا أكد خلاله إنابة وكيلا وزارتي التربية
والتعليم، والتضامن الاجتماعي، لحضور تشييع جنازة الطفلة وتقديم واجب العزاء
لأسرتها، وهو أمر لم يحدث منه شيئًا.
رحلت مروة ورحلت معها أيام وسنوات غالية على قلب أسرتها وذويها، لكن
تصريحات والدها وغياب المسئولين وما جرى قبل وبعد الواقعة ترك تساؤل لا يزال
عالقًا في الأذهان: دم مروة في رقبة مين؟، هل هو مسئول سيتم إقالته او استقالته؟،
أم يكون هرمًا من التكاسل والتواكل بين الجهات المعنية، بدايةً من عامل الصيانة
المسئول عن مراجعة أعمدة الإنارة، وصولًا إلى رؤس الجهات التنفيذية ومن يُفترض بهم
مراجعة الاستعدادت على أرض الواقع، وليس من المكتب «تحت التكييف».

تعليقات
إرسال تعليق